قصة حقيقية مش انا دي قصة واحد و بيقولها لينا للأتعاظ
مررت بأزمة مالية، وليس من عادتي أن أسال الناس، فأصبت بهمّ وغمّ كبيرين.. ماذا أفعل؟ فعليَّ التزامات كثيرة، كما أن كثيرا من الناس يظن أني ميسور الحال، والحمد لله على ذلك.
وبدأ الأمر يزداد شيئا فشيئا، فلاحظ علي بعض المقربين مني ذلك، فأبحت ما في نفسي لهم بعد إلحاح شديد؛ فعرض علي بعضهم أن يعطيني بعض المال ولكني رفضت، ولم يكرر أحد منهم العرض مرة ثانية.
وربما أعلم أن حال الكثيرين من أصدقائي هو مثل حالي، فالحياة أصبحت صعبة، والمتطلبات كثيرة، والحالة الاقتصادية الكل يعلمها جيدا، ومازال الهم والغم يلازمانني، وأريد أن أنفك عنهما.
لم أكن أفكر في المال طول حياتي، لكن هناك ضغطا شديدا، ولما انسدت الأبواب كانت المفاجأة في نفسي أني أرفع يدي إلى الله أطلب منه، ولكن هالني ما فعلت، كيف لم ألتجئ إلى الله تعالى أول ما لجأت.
وكان يمنعني حيائي أن أطلب من الناس شيئا، ثم تكلمت مع بعض المقربين مني، ولكن الله سبحانه وتعالى أقرب إلي من حبل الوريد، إنه يعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليه سبحانه شيء من أمري.
مفاجآت في الحجرة
دخلت حجرتي بعد أن توضأت وصليت لله ركعتي حاجة، ثم بدأت أتكلم إلى الله، لم أكن أتحدث باللغة العربية الفصحى، وإنما أتحدث إليه سبحانه بلغتي المعتادة، وجدت مشاعري وأحاسيسي تسبقني قبل كلماتي، وجدت قلبي ينطق لأول مرة مع ربي.. يا له من إحساس جميل، بدأت أستشعر قرب الله مني، وأتذكر بعض آيات من القرآن الكريم، وكأنها تمر بخاطري لأول مرة: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون".
جعلت أقف عند كلمات الآية (سألك عبادي) أنا من عباد الله، أضافني الله تعالى إليه، إنه شرف كبير.. كبير جدا، أنا عبد لله، مع أني أعرف هذا المعنى، لكنه كثيرا ما يضيع مني، وما دمت عبدا له سبحانه، فما الذي يجعلني أنسى مولاي؟!..
(فإني قريب) جعلت أردد كلمة قريب، أستشعر مد الياء في الكلمة (قريــــــــــب)، نعم الله قريب مني، علمه أحاط بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء، فأنا منه، وإليه، ومادام -سبحانه- قريبا مني، فهو عالم بحالي (يعلم السر وأخفى) (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)..
ثم نظرت إلى قوله تعالى (أجيب دعوة الداع إذا دعان) سواء أكان الإنسان في حاجة إلى ما يسأل الله، أم يمكن له الاستغناء عنه، وأنا في حاجة إلى الله تعالى.
حال الصالحين حين الضيق
وتذكرت عطاء الله تعالى لخلقه، وتبادر إلى ذهني رحلة موسى -عليه السلام- إلى مدين حين هاجر إليها ثم سقى للفتاتين الصالحتين وجلس تحت ظل شجرة وكلم الله تعالى سائلا إياه (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وكأني وقعت على كنز؛ فظللت أردد: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وظللت أكرر الآية وأستشعر فقري وحاجتي إلى الله تعالى.
كما تذكرت دعاء قرأته في أحد الكتب: اللهم هب لي من الدنيا ما تقيني به فتنتها، وتغنيني به عن أهلها، ويكون بلاغا لما هو خير منها، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وتذكرت ذلك الصحابي الذي مكث في المسجد في غير وقت صلاة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب مكثه في المسجد في غير وقت صلاة، فأخبره الصحابي بما أصابه من هم وما أثقله من دين، فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ثلاث مرات عند كل صباح وكل مساء هذه الكلمات النورانية: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". وبعدها شعرت براحة نفسية. كما جاءني حسن ظن كبير بالله تعالى وأنه سيفرج كربي.
وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى فرج الله تعالى كربي، وقضى عني ديني.
بعيدا عن الديون
لم تكن قضية الدين هي التي شغلتني بقدر ما شغلني أني خرجت بتجربة ناجحة، وهي الكلام إلى الله، والالتجاء إلى الله وقت الشدائد قبل الالتجاء إلى الناس. نعم، من الإسلام أن يتعاون بعضنا مع بعض، وأن المسلم لأخيه كالبنيان، لكن أول ما يلجأ المسلم يلجأ إلى مولاه، العالم بأسراره، المطلع على حاله، الذي بيده كل أمره.
وقد طرأ على ذهني هذا السؤال: لماذا لا نلجأ إلى الله؟ ولماذا لا نجري حوارا مع ربنا، نشكو إليه فيه همومنا وأحزاننا؟ لماذا نضع هذا الحاجز والحاجب بيننا وبين ربنا؟! إنه سبحانه يتنزل إلى السماء الدنيا كل يوم لينظر حاجة الناس: "هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من كذا، هل من كذا... حتى يطلع الفجر.
وقد كان الالتجاء إلى الله والشكوى له سبحانه من الأمور التي يداوم عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم، فحين رجع من الطائف بعد أن أوذي وجرحت قدماه وجلس تحت بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة شكا إلى الله حاله بهذه الكلمات: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، و إلا بك). كما أن هذا كان حال كل الأنبياء، فهذا يعقوب عليه السلام حين فعل أبناؤه ما فعلوه من خطف يوسف عليه السلام والكيد له، وحين أخذ ابنه الآخر وتذكر يوسف وبكى عليه، فعاب عليه القوم أنه مازال يذكر يوسف، فقال لهم (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله).
نعم، نحن في حاجة لأن نشكو بثنا وحزننا وهمنا إلى الله تعالى، فلنجرب ولنطرق باب الله تعالى، شاكين له همنا، وشاكين له غلبة نفوسنا علينا، وغلبة أعدائنا، فإن الله تعالى سيجعل لنا من أمرنا يسرا، ويرزقنا الأسباب التي تكون مفتاح فرج لهمنا وكربنا.
فما أحوجنا إلى الله، وما أقرب الله منا، وما أبعدنا عن الله، فهلا اقتربنا من الله، وناجينا الله تعالى؟!
وبعد.. تكلم إليه
وأحسب أن الخطوة العملية التي يمكن أن نخرج بها هي: أن نتكلم إلى الله، وأن نناجيه سبحانه.. نشكو إليه أمرنا وحالنا، حتى تتحقق فينا العبودية الصادقة، ونكون من عباد الله الذين قال فيهم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب).
فلنجرب أن نشكو حالنا أول ما نشكوه إلى الله، فسيفتح الله تعالى لنا أبواب يسره، فمن ذا الذي دعاه فلم يجبه، ومن الذي طلبه فأعرض عنه؟!
(ففروا إلى الله).